سورة الرحمن - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69)}
قوله تعالى: {فيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ}
أي فوارتان بالماء، عن ابن عباس. والنضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء. وعنه أن المعنى نضاختان بالخير والبركة، وقاله الحسن ومجاهد. ابن مسعود وابن عباس أيضا وأنس: تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر.
وقال سعيد بن جبير: بأنواع الفواكه والماء. الترمذي: قالوا بأنواع الفواكه والنعم والجواري المزينات والدواب المسرجات والثياب الملونات. قال الترمذي: وهذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري.
وقيل: تنبعان ثم تجريان. قوله تعالى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} فيه مسألتان. الأولى: قال بعض العلماء: ليس الرمان والنخل من الفاكهة، لان الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره. وهذا ظاهر الكلام.
وقال الجمهور: هما من الفاكهة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة، كقوله تعالى:
{حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} وقوله: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} وقد تقدم.
وقيل: إنما كررهما لان النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا، لان النخل عامة قوتهم، والرمان كالثمرات، فكان يكثر غرسهما عندهم لحاجتهم إليهما، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها، فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما وكثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن، فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها.
وقيل: أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء، فلم يخلصا للتفكه، ومنه قال أبو حنيفة رحمه الله، وهى المسألة: الثانية: إذا حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث. وخالفه صاحباه والناس. قال ابن عباس: الرمانة في الجنة مثل البعير المقتب.
وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر، وكرانيفها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والين من الزبد، ليس فيه عجم. قال: وحدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة، قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وإن ماءها ليجري في غير أخدود، والعنقود اثنا عشر ذراعا.


{فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (71)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ} يعني النساء الواحدة خيرة على معنى ذوات خير.
وقيل: {خَيْراتٌ} بمعنى خيرات فخفف، كهين ولين. ابن المبارك: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن عامر قال: لو أن خيرة من {خَيْراتٌ حِسانٌ} اطلعت من السماء لأضاءت لها، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولنصيف تكساه خيرة خير من الدنيا وما فيها. {حِسانٌ} أي حسان الخلق، وإذا قال الله تعالى: {حِسانٌ} فمن ذا الذي يقدر أن يصف حسنهن! وقال الزهري وقتادة: {خَيْراتٌ} الأخلاق {حِسانٌ} الوجوه. وروي ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أم سلمة.
وقال أبو صالح: لأنهن عذارى أبكار. وقرأ قتادة وابن السميقع وأبو رجاء العطاردي وبكر بن حبيب السهمي {خيرات} بالتشديد على الأصل. وقد قيل: أن خيرات جمع خير والمعنى ذوات خير.
وقيل: مختارات. قال الترمذي: فالخيرات ما اختارهن الله فأبدع خلقهن باختياره، فاختيار الله لا يشبه اختيار الآدميين. ثم قال: {حِسانٌ} فوصفهن بالحسن فإذا وصف خالق الحسن شيئا بالحسن فانظر ما هناك.
وفي الأوليين ذكر بأنهن {قاصِراتُ الطَّرْفِ} و{كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ} فانظر كم بين الخيرة وهي مختارة الله، وبين قاصرات الطرف.
وفي الحديث: «إن الحور العين يأخذ بعضهن بأيدي بعض ويتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بأحسن منها ولا بمثلها نحن الراضيات فلا نسخط أبدا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الخالدات فلا نموت أبدا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدا ونحن خيرات حسان حبيبات لأزواج كرام». خرجه الترمذي بمعناه من حديث علي رضي الله عنه. وقالت عائشة رضي الله عنها: إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا: نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضيات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن. فقالت عائشة رضي الله، عنها: فغلبنهن والله.
الثانية: وأختلف أيهما أكثر حسنا وأبهر جمالا الحور أو الآدميات؟ فقيل: الحور لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة، ولقوله عليه الصلاة والسلام في دعائه على الميت في الجنازة: «وأبدله زوجا خيرا من زوجه».
وقيل: الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف، وروي مرفوعا.
وذكر ابن المبارك: وأخبرنا رشدين عن ابن أنعم عن حيان ابن أبي جبلة، قال: إن نساء الدنيا من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. وقد قيل: إن الحور العين المذكورات في القرآن هن المؤمنات من أزواج النبيين والمؤمنين يخلقن في الآخرة على أحسن صورة، قاله الحسن البصري. والمشهور أن الحور العين لسن، من نساء أهل الدنيا وإنما هن مخلوقات في الجنة، لان الله تعالى قال: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات، ولان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن أقل ساكني الجنة النساء» فلا يصيب كل واحد منهم امرأة، ووعد الحور العين لجماعتهم، فثبت أنهن من غير نساء الدنيا.


{حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75)}
قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ} {حُورٌ} جمع حوراء، وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها وقد تقدم. {مَقْصُوراتٌ} محبوسات مستورات {فِي الْخِيامِ} في الحجال لسن بالطوافات في الطرق، قاله ابن عباس.
وقال عمر رضي الله عنه: الخيمة درة مجوفة. وقاله ابن عباس. وقال: هي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ}: بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرحمة، ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلا وليس لها باب، حتى إذا دخل ولي الله الجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين. والله أعلم.
وقال في الأوليين: {فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ} قصرن طرفهن على الأزواج ولم يذكر أنهن مقصورات، فدل على أن المقصورات أعلى وأفضل.
وقال مجاهد: {مَقْصُوراتٌ} قد قصرن على أزواجهن فلا يردن بذلا منهم.
وفي الصحاح: وقصرت الشيء أقصره قصرا حبسته، ومنه مقصورة الجامع، وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوز إلى غيره، وامرأة قصيرة وقصوره أي مقصورة في البيت لا تترك أن تخرج، قال كثير:
وأنت التي حببت كل قصيرة *** إلي وما تدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد *** قصار الخطا شر النساء البحاتر
وأنشده الفراء قصوره، ذكره ابن السكيت.
وروى أنس قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مررت ليلة أسري بي في الجنة بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله فقلت: يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهن في أن يسلمن عليك فأذن لهن فقلن نحن الخالدات فلا نموت أبدا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا أزواج رجال كرام» ثم قرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ} أي محبوسات حبس صيانة وتكرمة. وروي عن أسماء بنت يزيد الأشهلية أنها أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله! إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم وحوامل أولادكم، فهل نشارككم في الأجر؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم إذا أحسنتن تبعل أزواجكن وطلبتن مرضاتهم». قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} أي لم يمسسهن على ما تقدم قبل. وقراءة العامة {يطمثهن} بكسر الميم. وقرأ أبو حيوة الشامي وطلحة بن مصرف والأعرج والشيرازي عن الكسائي بضم الميم في الحرفين. وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى ويخير في ذلك، فإذا رفع الأولى كسر الثانية وإذا كسر الأولى رفع الثانية. وهي قراءة أبي إسحاق السبيعي. قال أبو إسحاق: كنت أصلي خلف أصحاب علي فيرفعون الميم، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله فيكسرونها، فاستعمل الكسائي الأثرين. وهما لغتان طمث وطمث مثل يعرشون ويعكفون، فمن ضم فللجمع بين اللغتين، ومن كسر فلأنها اللغة السائرة. وإنما أعاد قوله: {لم يطمثهن} ليبين أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة الحور القاصرات الطرف. يقول: إذا قصرن كانت لهن الخيام في تلك الحال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7